اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
محاضرة في جامع حطين
7201 مشاهدة
دعوة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم

خاتمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الذي بدأ بهذه الدعوة أي بالدعوة إلى التوحيد ، وذلك لأنه خرج في قومه وقد غيروا دين اللَّه تعالى الذي هو دين إبراهيم ودين إسماعيل مع أنهم يعترفون بأن اللَّه تعالى ربهم وخالقهم ، ومع أنهم إذا كانوا في الضيق وفي شدة أخلصوا الدين لِلَّه تعالى وعبدوه وحده .
ومع أنهم كانوا يحجون ويعتمرون ويذكرون اللَّه كثيرا وكان لهم أخلاق سامية رفيعة ، فكانوا يحمون الجار ويكرمون الضيف ويحملون الكل ويُكسبون المعدوم يتنافسون في الكرم وفي الشجاعة يحمون نساءهم وذراريهم يأنفون عن الفواحش يحمون أنفسهم عن فعل المحرمات ، ولكن مع ذلك يعبدون آلهة غير اللَّه تعالى ، يعبدون اللَّه ويعبدون معه آلهة غيره، فجاءهم بالتوحيد ومكث يدعوهم إلى قول لا إله إلا اللَّه عشر سنين يدعوهم إلى التوحيد، لم يبدأ بدعوة غير التوحيد يأمرهم بأن يقولوا لا إله إلا الله ويكرر ذلك عليهم، وذلك لأنهم يسمون تلك المعبودات آلهة فلذلك أنكروا عليه وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا لنا آلهة كثير نعبدهم ونصرف لهم عبادتنا فكيف نجعل العبادة لواحد .
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ثم قال تعالى عنهم: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ هكذا سموها آلهة وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ تلك الآلهة لا تنفعهم ولا تضرهم ، ولكن حملهم عليها التقليد واتباع الآباء والأجداد ، في زعمهم أنها تفيدهم وأنها ترزقهم وهم مع ذلك يشاهدون أنها مخلوقة ، وذلك لأنهم يعبدون أشجارا ، يأتون إلى شجرة ثم يعبدونها كشجرة العزى وقد تموت الشجرة فينتقلون إلى شجرة أخرى ، كذلك أيضا ينحتون أصناما من حجارة أو من خشب وقد تحترق أو تبلى أو تتكسر ثم ينتقلون فينحتون مثلها ، وكذلك أيضا يعبدون بقع يقولون هذه البقعة لها مكانة فيبقون في عبادتها مدة ثم بعد ذلك ينتقلون إلى بقعة أخرى هذه حالتهم .
ولا شك أن هذا من الجهل العميق بهم ، فإنهم يعرفون أنها مخلوقة وأنها منحوتة ، ولكن زين لهم الشيطان أنها تفيدهم وأنها تنفعهم ، فلذلك صاروا يتعلقون بها ويعبدونها ويسمون دعائها عبادة ويسمونها آلهة لأن قلوبهم تألهها ، بعث اللَّه -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بإخلاص الدين لِلَّه وبعبادته وحده وترك عبادة ما سواه ، ولذلك قال اللَّه في أول ما أمره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ هذه الآية أول ما أمروا به ، أو أول ما يمر بهم إذا قرءوا القرآن في سورة البقرة ، وهي سورة مدنية جعل اللَّه تعالى فيها هذا الأمر يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .
وقد وردت أيضا خطابات بالأمر بعبادة اللَّه أو بتقوى اللَّه مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ اتقوه يعني خافوه وذلك بعبادته وحده ومثل قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا أمرهم بتقوى اللَّه تعالى وتقواه هي مخافته وعبادته ، فهذه من دعوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ثم إن اللَّه تعالى أمره بأن يخلص عبادته لله ولا شك أن أمره يعتبر أمرا لأمته؛ حيث إنهم تبع له فعليهم أن يتبعوه ، فإذا قرأنا قول الله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ الأمر بقوله: فَاعْبُدِ اللَّهَ إذا كان خطابا للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه تتبعه فيه أمته .
وإذا كان خطابا لكل فرد من الأمة فإنهم مأمورون بهذه العبادة مأمورون بأن يعبدوا اللَّه مخلصين له الدين ، وكذلك قول اللَّه تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ثم قال بعدها: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ على وجه التحديد أي أن الدين الذي أمرني اللَّه تعالى به هو أن أعبد اللَّه مخلصا له ديني ، فإذا لم تعبدوه فإنكم خاسرون فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ هذا هو حقيقة الخسران .
لا شك أن هذا كله تأكيد لبيان دعوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأنها مثل دعوة الرسل قبله ، بمعنى أن الرسل كلهم دعوتهم جميعا إلى الإخلاص ، إلى إخلاص العبادة لِلَّه وحده وإلى ترك عبادة كل ما سواه ولذلك قال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ لو سألهم لنفوا وقالوا ما أرسلنا إلا بالإخلاص ، بعثنا اللَّه وأمرنا بأن نأمر الناس أن يخلصوا عبادتهم وطاعتهم لِلَّه وحده وألا يعبدوا إلها غيره بل تكون عبادتهم كلها لِلَّه وحده .
هذا هو الذي بعثت به الرسل ، فمن الناس من قبل واهتدى لما رأوا الآيات وذلك لأن اللَّه تعالى أيد رسله بالآيات والبراهين التي تدل على صدقهم، وأظهر على أيديهم المعجزات فكان في ذلك سببا في اهتداء من اهتدى منهم في أن هدى اللَّه تعالى من أراد به خيرا من الأمم ولهذا قال تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ من هداهم اللَّه هم الذين قبلوا دعوة الرسل .